تسجل صورة شاحنة نقل المياه القديمة، أو ما يُعرف بـ “الوايت” المتعطلة في إحدى مزارع القصيم، لحظة مهمة في تاريخ المملكة العربية السعودية، تعكس الصورة ببساطة لكنها تحمل في طياتها عميقًا التحولات الكبيرة التي شهدتها المملكة في مجال تأمين المياه، وكيف كانت هذه الشاحنات تمثل الحل الأساسي لسكان المناطق الصحراوية في زمن كان فيه الماء نادرًا وشحيحًا.
منذ الخمسينيات الميلادية، كانت شاحنات “الوايتات”، التي يطلق عليها البعض اسم “الحصنية”، أساسية في نقل المياه من مصادرها التقليدية مثل الآبار، السدود، والأفلاج، عبر الطرق الصحراوية والجبلية الوعرة، فقد كانت هذه المركبات قادرة على تحمل مشقات المسافات الطويلة، وتجلب المياه إلى المدن والقرى النائية، مما ساعد السعوديين في تلبية احتياجاتهم اليومية من مياه الشرب والزراعة.
على الرغم من أن هذه “الوايتات” كانت تُستخدم بشكل مكثف في فترة ما قبل منتصف القرن العشرين، إلا أن المملكة لم تكتفِ بذلك، بل سعت دائمًا لتطوير نظام النقل المائي، ومع بداية مشاريع التنمية وتعبيد الطرق، بدأت الحكومة السعودية في بناء مشروعات ضخمة لتحلية المياه، وتطوير وسائل النقل المائي، والتي ساهمت في تأمين المياه بشكل مستدام.
اليوم، تشتهر المملكة بكونها دولة رائدة في مجال إدارة الموارد المائية بفضل استثماراتها الكبيرة في تحلية المياه ونقلها، كما تمتلك السعودية قدرة كبيرة على توفير المياه عبر مشاريع محطات التحلية التي تمتد في مختلف مناطق المملكة، ورغم التحديات الجغرافية والمناخية، استطاعت المملكة أن تضمن حياة مائية مستدامة لشعبها.
وفي هذا السياق، لا يمكن أن ننسى دور تلك “الوايتات” القديمة التي كانت بداية الطريق نحو حل مشكلة المياه في المملكة، بل إن هذه الشاحنات تظل رمزًا للإرادة السعودية التي تتسم بالقدرة على تجاوز أصعب التحديات.
وقد جاءت تصريحات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، خلال قمة “المياه الواحدة” التي عُقدت مؤخرًا على هامش مؤتمر الأطراف COP16 في الرياض، لتؤكد على استمرار التزام المملكة بمواجهة التحديات البيئية المتعلقة بندرة المياه.
وأشار الأمير محمد بن سلمان إلى التزام المملكة بتقديم تمويل تجاوز 6 مليارات دولار لدعم أكثر من 200 مشروع إنمائي في قطاع المياه حول العالم، كما أعلن عن تأسيس منظمة عالمية للمياه مقرها الرياض، تهدف إلى توحيد جهود الدول والمنظمات الدولية لمعالجة قضايا المياه على مستوى عالمي.