مع بداية العام الجاري، عانت الأسواق المالية في الولايات المتحدة من ضغوطات متزايدة نتيجة القلق المتنامي بشأن التضخم، وهذه المخاوف دفعت الاحتياطي الفيدرالي نحو خطوات أكثر صرامة في سياسته النقدية، حيث ركز على رفع أسعار الفائدة لمواجهة ارتفاع الأسعار، ومع ذلك أدى تباطؤ نمو الاقتصاد، وضعف مؤشرات الوظائف والتصنيع إلى إثارة مخاوف من دخول الاقتصاد في حالة ركود.
في سبتمبر الماضي، قرر الفيدرالي إنهاء دورة التشديد النقدي التي استمرت منذ مارس 2022، وقد جاءت هذه الخطوة بعد خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وسط إشارات على تباطؤ واضح في ضغوط الأسعار، مع ذلك ينتظر المستثمرون بقلق الاجتماع الأخير للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، حيث تُشير التوقعات إلى خفض جديد للفائدة، ولكن السؤال يبقى: هل يفاجئ البنك المركزي الأسواق بتغيير غير متوقع؟
منذ مارس 2022 وحتى يوليو 2023، رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل متتالٍ، ليصل بها إلى نطاق يتراوح بين 5.25% و5.50%، وهو الأعلى منذ عقود، ومع استمرار القلق حول التباطؤ الاقتصادي، ظهرت انقسامات بين أعضاء اللجنة بشأن استمرار التشديد النقدي، وفي سبتمبر الماضي، طالب أحد الأعضاء للمرة الأولى منذ سنوات بخفض النطاق المستهدف للفائدة، وهو ما يشير إلى تحول في الاتجاه العام للسياسة النقدية.
تبع ذلك خفض جديد للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في نوفمبر، مع ترقب المستثمرين قراراً آخر خلال اجتماع ديسمبر، وبالرغم من التوقعات بخفض ثالث على التوالي، يبقى الباب مفتوحاً أمام سيناريوهات مختلفة قد يعتمدها الفيدرالي بناءً على البيانات الاقتصادية الجديدة.
وأظهرت بيانات سوق العمل في نوفمبر إضافة الاقتصاد 227 ألف وظيفة جديدة، متجاوزة التوقعات، كما شهدت الأجور نمواً بنسبة 0.4% على أساس شهري، مما رفع معدل النمو السنوي للأجور إلى 4%، وهذه الأرقام قد تمنح الفيدرالي مزيداً من الثقة بمتانة الاقتصاد، لكنها في الوقت نفسه قد تثير القلق بشأن عودة التضخم للارتفاع.
على صعيد آخر، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في نوفمبر بأسرع وتيرة له منذ سبعة أشهر، ما يُعزز المخاوف من استمرار الضغوط التضخمية، ومع ذلك أكد العديد من أعضاء اللجنة الفيدرالية أن التضخم يسير نحو هدف 2% على المدى الطويل، مع توقعات بتوقف مؤقت في دورة خفض الفائدة خلال الفترة المقبلة.
تغير التوقعات السياسية مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد يضيف مزيداً من التعقيد إلى قرارات الفيدرالي، في الماضي أثرت التغيرات السياسية بشكل مباشر على توجهات السياسة النقدية، كما حدث في أعقاب انتخابات 2016.
وتقرير التوقعات الاقتصادية المنتظر بعد اجتماع ديسمبر قد يقدم إشارات حول رؤية الفيدرالي للفترة القادمة، خصوصاً في ظل احتمالية أن تظل معدلات التضخم والنمو أعلى من توقعات سبتمبر، ومع ذلك يبدو من غير المرجح أن تتضمن التوقعات الجديدة أي إشارات واضحة إلى سياسات الإدارة المقبلة، على الرغم من أنها قد تناقش تداعياتها الاقتصادية بشكل عام.
مع التباين الكبير في البيانات الاقتصادية، يبقى السؤال الرئيسي حول ما إذا كان الفيدرالي سيواصل خفض أسعار الفائدة أو يختار تثبيتها، ويرى بعض الخبراء أن خطوة خفض جديدة قد تكون محفوفة بالمخاطر، خاصة مع مؤشرات على انتعاش الأجور وارتفاع التضخم.